فصل: من فوائد الشنقيطي في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من لطائف وفوائد المفسرين:

.قال في ملاك التأويل:

قوله تعالى: {ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف إنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا} وفى سورة الإسراء: {ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا}. للسائل أن يسأل عن زيادة قوله: {ومقتا} في سورة النساء وسقوط ذلك في سورة الاسراء؟
والجواب عن ذلك: أن نقول: أن المقت هو النقص والاستحقار ومتزوج امرأة أبيه فاعل رذيلة يمقت فاعلها ويشنأ وتستخسه الطباع السليمة فوسمت فعلته بالمقت وساوت الزنا فيما وراء ذلك فلهذا زيد في آية النساء قوله: {ومقتا}. اهـ.

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آَبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا (22)}.
تشير الآية إلى حفظ الذمام، والوقوف على حدّ الاحترام، فإن السَّجيَّةَ تتداخلها الأَنَفةُ من أن ينكح فِراشَه غيرُه، فنهى الأبناء عن تخطي حقوق الآباء في استفراش منكوحة الأب. اهـ.

.من فوائد الشنقيطي في الآية:

قال رحمه الله:
قوله تعالى: {وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِّنَ النساء} الآية.
نهى الله تعالى في هذه الآية الكريمة عن نكاح المرأة التي نكحها الأب، ولم يبين ما المراد بنكاح الأب هل هو العقد أو الوطء، ولكنه بين في موضع آخر أن اسم النكاح يطلق على العقد وحده، وإن لم يحصل مسيس وذلك في قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إِذَا نَكَحْتُمُ المؤمنات ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ} [الأحزاب: 49] فصرح بأنه نكاح وأنه لا مسيس فيه.
وقد أجمع العلماء على أن من عقد عليها الأب حرمت على ابنه وإن لم يمسها الأب، وكذلك عقد الابن محرم على الأب إجماعًا، وإن لم يمسها وقد أطلق تعالى النكاح في آية أخرى مريدًا به الجماع بعد العقد، وذلك في قوله: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حتى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230]. لأن المراد بالنكاح هنا ليس مجرد العقد، بل لابد معه من الوطء كما قال صلى الله عليه وسلم لامرأة رفاعة القرظي: «لا، حتى تذوقي عسيلته ويذوق عُسَيْلتك» يعني الجماع ولا عبرة بما يروى من المخالفة عن سعيد بن المسيب. لوضوح النص الصريح الصحيح في عين المسألة.
ومن هنا قال بعض العلماء لفظ النكاح مشترك بين العقد والجماع، وقال بعضهم هو حقيقة في الجماع مجاز في العقد. لأنه سببه وقال بعضهم بالعكس.
تنبيه: قال بعض العلماء إن لفظة {مَا} [النساء: 22] من قوله: {وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ} [النساء: 22] مصدرية وعليه فقوله: {مِّنَ النساء} [النساء: 22] متعلق بقوله: {تنْكِحُوا} [النساء: 22] لا بقوله: {نَكَحَ} [النساء: 22] وتقرير المعنى على هذا القول ولا تنكحوا من النساء نكاح آبائكم أي: لا تفعلوا ما كان يفعله آباؤكم من النكاح الفاسد، وهذا القول هو اختيار ابن جرير، والذي يظهر وجزم به غير واحد من المحققين أن {مَا} [النساء: 22] موصولة واقعة على النساء التي نكحها الآباء، كقوله تعالى: {فانكحوا مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ النساء} [النساء: 3] وقد قدمنا وجه ذلك. لأنهم كانوا ينكحون نساء آبائهم كما يدل له سبب النزول، فقد نقل ابن كثير عن أبي حاتم أن سبب نزولها. أنه لما توفي أبو قيس بن الأسلت خطب ابنه امرأته، فاستأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، فقال: ارجعي إلى بيتك فنزلت {وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ} [النساء: 22] الآية.
قال مقيده- عفا الله عنه- نكاح زوجات الآباء كان معروفًا عند العرب، وممن فعل ذلك أبو قيس بن الأسلت المذكور، فقد تزوج أم عبيد الله وكانت تحت الأسلت أبيه، وتزوج الأسود بن خلف ابنة أبي طلحة بن عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار وكانت تحت أبيه خلف، وتزوج صفوان بن أمية فاختة ابنة الأسود بن المطلب بن أسد.
وكانت تحت أبيه أمية، كما نقله ابن جرير عن عكرمة قائلًا إنه سبب نزول الآية، وتزوج عمرو بن أمية زوجة أبيه بعده فولدت له مسافرًا وأبا مُعِيط، وكان لها من أمية أبو العِيص وغيره، فكانوا إخوة مسافر وأبي مُعيط وأعمامهما، وتزوج منظور بن زبّان بن سيار الفزاري زوجة أبيه مليكة بنت خارجة، كما نقله القرطبي وغيره ومليكة هذه هي التي قال فيها منظور المذكور بعد أن فسخ نكاحها منه عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
ألا لا أبالي اليوم ما فعل الدهر ** إذا منعت مني مليكة والخمر

فإن تك قد أمست بعيدًا مزارها ** فحي ابنة المري ما طلع الفجر

وأشار إلى تزويج منظور هذا زوجة أبيه ناظم عمود النسب، بقوله في ذكر مشاهير فزارة.
منظور الناكح مقتًا وحلف ** خمسين ماله على منع وقف

وقوله: وحلف إلخ قال شارحه: إن معناه أن عمر بن الخطاب حلفه خمسين يمينًا بعد العصر في المسجد أنه لم يبلغه نسخ ما كان عليه أهل الجاهلية من نكاح أزواج الآباء، وذكر السهيلي وغيره أن كنانة بن خزيمة تزوج زوجة أبيه خزيمة فولدت له النضر بن كنانة، قال: وقد قال صلى الله عليه وسلم: «ولدت من نكاح لا من سِفاح» قال: فدل على أن ذلك كان سائغًا لهم.
قال ابن كثير وفيما نقله السهيلي من قصة كنانة نظر، وأشار إلى تضعيف ما ذكره السهيلي ناظم عمود النسب بقوله:
وهند بنت مر أم حارثه ** شخيصه وأم عنز ثالثه

برة أختها عليها خلفا ** كنانة خزيمة وضعفا

أختهما عاتكة ونسلها ** عذرة التي الهوى يقتلها

وذكر شارحه أن الذي ضعف ذلك هو السهيلي نفسه، خلافًا لظاهر كلام ابن كثير. ومعنى الأبيات أن هند بنت مر أخت تميم بن مر بن أد بن طابخة بن إلياس هي أم ثلاثة من أولاد وائل بن قاسط وهم الحارث وشخيص وعنز، وأن أختها برة بنت مر كانت زوجة خزيمة بن مدركة فتزوجها بعد ابنه كنانة، وأن ذلك مضعف، وأن أختهما عاتكة بنت مر هي أم عذرة أبي القبيلة المشهورة بأن الهوى يقتلها، وقد كان من مختلقات العرب في الجاهلية إرث الأقارب أزواج أقاربهم، كان الرجل منهم إذا مات وألقى ابنه أو أخوه مثلًا ثوبًا على زوجته ورثها وصار أحق بها من نفسها، إن شاء نكحها بلا مهر وإن شاء أنكحها غيره وأخذ مهرها، وإن شاء عضلها حتى تفتدى منه، إلى أن نهاهم الله عن ذلك بقوله: {يَا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النساء كَرْهًا} [النساء: 19] الآية. وأشار إلى هذا ناظم عمود النسب بقوله:
القول فيما اختلقوا واخترقوا ** ولم يقد إليه إلا النزق

ثم شرع يعدد مختلقاتهم إلى أن قال:
وإن من ألقى على زوج أبيه ** ونحوه بعد التوى ثوبًا يريه

أولى بها من نفسها إن شاء ** نكح أو أنكح أو أساء

بالعضل كي يرثها أو تفتدى ** ومهرها في النكحتين للردى

وأظهر الأقوال: في قوله تعالى: {إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ} [النساء: 22] أن الاستثناء منقطع، أي لكن ما مضى من ارتكاب هذا الفعل قبل التحريم فهو معفو عنه كما تقدم، والعلم عند الله تعالى. اهـ.

.من فوائد الشعراوي في الآية:

قال رحمه الله:
{وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِّنَ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا}.
فكأن هذه المسألة كانت موجودة، كان ينكح الولد زوج أبيه التي هي غير أمه. وصفوان بن أمية وهو من سادة قريش قد خلف أباه أمية بن خلف على فاختة بنت الأسود بن المطلب كانت تحت أبيه، فلما مات أبوه تزوجها هو، ويريد الحق سبحانه وتعالى أن يبعد هذه القضية من محيط الأسرة، لماذا؟ لأن الأب والابن لهما من العلاقات كالمودَّة والرحمة والحنان والعطف من الأب، والبر والأدب، والاستكانة، وجناح الذل من الابن، فحين يتزوج الرجل امرأة وله ابن، فذلك دليل على أن الأب كان متزوجًا أمه قبلها، وكأن الزيجة الجديدة طرأت على الأسرة.
وسبحانه يريد ألا يجعل العين من الولد تتطلع إلى المرأة التي تحت أبيه، ربما راقته، ربما أعجبته، فإذا ما راقته وأعجبته فأقل أنواع التفكير أن يقول بينه وبين نفسه: بعدما يموت أبي أتزوجها، فحين يوجد له الأمل في أنه بعدما يموت والده يتزوجها، ربما يفرح بموت أبيه، هذا إن لم يكن يسعى في التخلص من أبيه، وأنتم تعلمون سعار الغرائز حين تأتي، فيريد الحق سبحانه وتعالى أن يقطع على الولد أمل الالتقاء ولو بالرجاء والتمني، وأنه يجب عليه أن ينظر إلى الجارية أو الزوجة التي تحت أبيه نظرته إلى أمه، حين ينظر إليها هذه النظرة تمتنع نزعات الشيطان.
فيقول الحق: {وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ} والنكاح هنا يُطلق فينصرف إلى الوطء والدخول، وقد ينصرف إلى العقد، إلا أن انصرافه إلى الوطء والدخول- أي العملية الجنسية- هو الشائع والأوْلى، لأن الله حينما يقول: {الزاني لا ينكح إلا زانية} معناها أنَّه ينكح دون عقد وأن تتم العملية الجنسية دون زواج.
والحق هنا يقول: {وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِّنَ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ} فما هو السلف هذا؟ إن ما سلف كان موجودًا، أي جاء الإسلام فوجد ذلك الأمر متبعًا، وجاء الإسلام بتحريم مثل هذا الأمر. فالزمن الجديد بعد الإسلام لا يحل أن يحدث فيه ذلك وإن كان عقد النكاح قد حدث قبل الإسلام، ولذلك قال سبحانه: {إلا ما قد سلف} فجاء بـ (ما) وهي راجعة للزمن. كأن الزمن الجديد لا يوجد فيه هذا.
هب أن واحدًا قد تزوج بامرأة أبيه ثم جاء الحكم.. أيقول سلف أن تزوّجتها قبل الحكم! نقول: لا الزمن انتهى، إذن فقوله: {مَا قَدْ سَلَفَ} يعني الزمن، وما دام الزمن انتهى يكون الزمن الجديد ليس فيه شيء من مثل تلك الأمور. لذا جاءت (ما) ولو جاءت (مَن) بدل (ما) لكان الحكم أن ما نكحت قبل الإسلام تبقى معه، لكنه قال: {إلا ما قد سلف} فلا يصح في المستقبل أن يوجد منه شيء ألبتة ويجب التفريق بين الزوجين فيما كان قائما من هذا الزواج.
والحق سبحانه وتعالى يريد أن يبين لنا أنه حين يشرِّع فهو يشرع ما تقتضيه الفطرة السليمة. فلم يقل: إنكم إن فعلتم ذلك يكون فاحشة، بل إنه برغم وجوده من قديم كان فاحشة وكان فعلًا قبيحًا {إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا} وما كان يصح بالفطرة أن تكون هذه المسألة على تلك الصورة، إلا أنّ الناس عندما فسدت فطرتهم لجأوا إلى أن يتزوج الرجل امرأة أبيه، ولذلك إذا استقرأت التاريخ القديم وجدت أن كل رجل تزوج من امرأة أبيه كان يُسمَّى عندهم نكاح المقت والولد الذي ينشأ يسمُّونه المقتي أي المكروه.
إذن فقوله: {إنه كان} أي قبل أن أحكم أنا هذا الحكم {كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا}. فالله يوضح: إنني أشرع لكم ما تقتضيه الفطرة. والفطرة قد تنطمس في بعض الأمور، وقد لا تنطمس في البعض الآخر لأن بعض الأمور فاقعة وظاهرة والتحريم فيها يتم بالفطرة.
مثال ذلك: أن واحدًا ما تزوج أمه قبل ذلك، أو تزوج ابنته، أو تزوج أخته. إذن ففيه أشياء حتى في الجاهلية ما اجترأ أحدٌ عليها. إذن جاء بالحكم الذي يحرم ما اجترأت عليه الجاهلية وتجاوزت وتخطت فيه الفطرة، فقال سبحانه: {وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِّنَ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ} أي مضى.
لقد وصف سبحانه نجاح الأبناء لزوجات آبائهم بأنه {كان فاحشة} أي قبحًا، و{مقتًا} أي مكروهًا، {ساء سبيلا} أي في بناء الأسرة.
ثم شرع الحق سبحانه وتعالى يبين لنا المحرمات وإن كانت الجاهلية قد اتفقت فيها، إلا أن الله حين يشرع حكمًا كانت الجاهلية سائرة فيه لا يشرعه لأن الجاهلية فعلته، لا. هو يشرعه لأن الفطرة تقتضيه، وكون الجاهلية لم تفعله، فهذا دليل على أنها فطرة لم تستطع الجاهلية أن تغيرها، فقال الحق سبحانه وتعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ...}. اهـ.